رئيسيسياسي

الوعود الوردية من قيس سعيد تتحول إلى سراب

يجمع مراقبون على أن الوعود الوردية التي دأب رئيس الجمهورية قيس سعيد على إطلاقها للمواطنين التونسيين تحولت إلى سراب ولم يتم تحقيق أي منها.

فمنذ وصوله إلى الحكم، دأب قيس سعيد على تقديم وعود ورديّة للمواطنين، لكن بعد زهاء أربع سنوات من تولّيه مقاليد الرئاسة، وبعد عامين من توسيع صلاحياته وإمساكه بزمام جميع السلطات، لم تجد أي من تلك الوعود طريقها للتنفيذ.

وأشار الأستاذ والباحث أنور الجمعاوي إلى أن قيس سعيد وعد إبّان تولّيه مهامّه باحترام دستور2014، والمحافظة على المسار الديمقراطي، وعدم المسّ بالحقوق والحريات العامّة والخاصٌة.

لكنه بعد حركة 25 يوليو/تموز (2021) ألغى الدستور الذي ساهمت مكوّنات المجتمع المدني في صياغته، وكان محلّ توافق بين جلّ التونسيين. ووضع دستوراً آخر.

كما فكك سعيد الانتظام المؤسّسي للعملية الديمقراطية التشاركية. فأمر بحلّ البرلمان، وهيئة دستورية القوانين، والمجلس الأعلى للقضاء، وغيّر تركيبة هيئة الانتخابات والقانون الانتخابي على طريقته، وأمسك بزمام السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، على نحو نقض مبدأ الفصل بين السلطات.

وأدى ذلك عمليا إلى الانتقال من نظام برلماني تشاركي معدّل إلى نظام رئاسي، فرداني، مطلق. وأفضت التدابير الرئاسية إلى انقسام حادّ داخل الاجتماع السياسي التونسي بين أنصار قيس سعيّد ومعارضيه.

وفي الأثناء، انتشر خطاب الكراهية، والإقصاء والاقصاء المضادّ بشكل غير مسبوق. وبدا أنّ توجّهات سعيّد السياسية لا تحظى بقاعدة شعبية واسعة.

وجلّت ذلك محدودية نسب المشاركة في الاستشارة الإلكترونية (5%)، والاستفتاء على الدستور (27%)، والانتخابات التشريعية (11%). وأرجع ذلك مراقبون إلى استياء طيْفٍ معتبرٍ من المواطنين من نكوص سعيّد عن وعده بالالتزام بمحامل دستور الثورة ومخرجات مشروع الدمقرطة في البلاد.

وعلى صعيد متّصل، أخبرت تقارير متواترة صادرة عن منظمّات حقوقية موثوقة بتراجع منسوب الحرّيات زمن حكم سعيّد.

وذلك في ظلّ منع ناشطين من السفر من دون إذن قضائي، وفرض الإقامة الجبرية على سياسيين واعتقال آخرين. يضاف إلى ذلك التضييق على حرّية التظاهر، وعلى حرّية التعبير.

وتأكّد ذلك مع صدور المرسوم عدد 54 الذي فرض قيوداً على الحقّ في النشر والتعبير، وتمّت إحالة كثيرين بموجبه على القضاء، على خلفية معارضتهم سياسات النظام الحاكم.

وبعث انحسار الحريات رسائل سلبية إلى الرأي العام الداخلي والخارجي، وأفضى إلى خروج تونس من نادي الدول الديمقراطية.

بموازاة ذلك تركّز الوعد الرئاسي على توفير موارد مالية جديدة لخزينة الدولة من خلال تفعيل الصلح الجزائي مع عدة رجال أعمال، وبعث شركات أهلية، واسترجاع الأموال المنهوبة من الخارج.

وصدر مرسوم الصلح الجزائي في 21 مارس/ آذار2022، ونصّ على تسوية مع رجال أعمال متّهمين بالفساد زمن حكم بن علي، من خلال استبدال الدعوى العمومية ضدّهم وما ترتّب عنها من تتبّع أو محاكمة أو عقوبات بدفع مبالغ مالية أو إنجاز مشاريع وطنية أو جهوية أو محلية.

وتطلع سعيد إلى جمع زهاء 13.5 مليار دينار (4.5 مليارات دولار)، من عائدات الصلح، بناء على قراءة قدّمتها لجنة تقصّي الحقائق عن الرشوة والفساد لـ460 ملفاً، لأشخاص حققوا منافع غير قانونية.

لكن بعد شهور على إحداث لجنة الصلح الجزائي لم يتحقق المأمول، ولم تتدفّق مئات المليارات إلى خزينة الدولة، وما زالت حصيلة الأموال المستعادة ضعيفة.

وذلك لوفاة بعض رجال الأعمال، وإفلاس آخرين، ومغادرة غيرهم البلد، وإحجام آخرين عن إبرام صلح شامل مع الدولة، وانخراطهم في صراع قضائي طويل معها. وبذلك، بدا الوعد بنيْل ثمار الصلح الجزائي أمراً بعيد المنال.

وعلى الصعيد الخدمي، استبشر التونسيون بإعلان قيس سعيّد نيته إنشاء خط قطار سريع يربط أقصى شمال البلاد بجنوبها (27/02/ 2021)، واعتبروا ذلك بادرة رئاسية لتطوير قطاع النقل. لكن ذلك الوعد ذهب طيّ النسيان، ولا خبر عن إمكان تنفيذه قريبا.

وخارجيا، وعد سعيّد باستعادة هيْبة الدولة التونسية وسيادتها، وعلت خلال فترة حكمه نبرة الخطاب السيادي. وهو توجّه يجد قبولا لدى الجماهير، لأنّه يرجّع مقولات السيادة الوطنية، والتحرير الوطني، واستقلالية القرار الداخلي، والتفاعل الندّي مع الآخر.

لكن تكفي الإشارة إلى أنّ تونس اقترضت، بموجب أوامر رئاسية بعد 25/07/2021 ما يقدّر بـ6500 مليون دينار بحسب مرصد رقابة.

كما أنّ أوّل اتّفاق صدّق عليه البرلمان الجديد اتّفاق قرض للحصول على 500 مليون دولار من البنك الأفريقي للتوريد والتصدير بغرض تمويل موازنة 2023. ومن ثمّة، من الصعب الحديث عن سيادة مطلقة في ظلّ تبعية اقتصادية للخارج.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق