استبداد قيس سعيد: نظام قاعدي يديره القصر الجمهوري

يُعتبر البرلمان الجديد في تونس الواجهة الرئيسية لنظام قاعدي جرى انتخابه وفق قانون انتخابي خاص، وضعه رئيس الجمهورية قيس سعيد من أجل إقصاء المعارضين لانقلاب 25 جويلية (يوليو/ تموز) 2021.
وفي جلسة افتتاح هذا البرلمان، وجّه قيس سعيّد رسالة واضحة وحازمة إلى النواب مضمونها أنهم سيكونون تحت مقصلة سحب الوكالة منهم في كل لحظة وحين.
كما تمارس حاليا ضغوطٌ، مباشرة وغير مباشرة، عليهم من أجل عدم التنصيص في القانون الداخلي على آلية الكتل البرلمانية، بحكم أن رئيس الدولة هاجم نظام الكتل، واعتبره تخريبا للحياة السياسية!
في حين أن الدافع وراء ذلك هو القضاء على الأحزاب والحزبية بشكل تدريجي، وتعميق الاختلال وعدم التوازن بين السلطة التنفيذية، مجسّدة في رئاسة الجمهورية، وبين برلمانٍ لم يعد سلطة، بل مجرّد وظيفة، ولا يمثل قوة موازية، وإنما يتشكّل من أفراد في حالة تشظٍّ يمكن التأثير عليهم والتحكّم فيهم وتغييرهم إن لزم الأمر من دون اللجوء إلى حل البرلمان.
وقد زادت هذه الفكرة رسوخا لدى الرئيس، بعد أن راج احتمال عزل أغلبية برلمانية الرئيس، والتي بني عليها سيناريو “المؤامرة على أمن الدولة الداخلي والخارجي” التي يسجن بسببها قادةٌ سياسيون ومؤثّرون في الشأن العام حاليا.
وهو ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى إصدار بيان دان فيه ما وصفه بـ “المنحى الاستبدادي” للرئيس سعيّد، ووقف المساعدات المالية التي كانت مخصّصة لوزارتي الداخلية والعدل، وهو إجراء لم يسبق أن اتخذه الأوروبيون حتى خلال تصاعد طغيان الرئيس بن علي.
في ضوء هذا العرض، يتبيّن أن النظام القاعدي الذي تم تركيزه حاليا في تونس هو نظام حكم فردي بامتياز، وليس بالنظام القائم على المشاركة الشعبية الواسعة كما يُفهم من ظاهر الكلمة.
وهو ما دفع سالم لبيض، صاحب الصوت الناشز داخل حركة الشعب، المناصرة بقوة للرئيس سعيّد إلى وصف البرلمان الحالي بأنه مجرّد “ديكور للسلطة”.
لم يكن قيس سعيّد قبل الثورة منتميا إلى حزب التجمّع الدستوري الديمقراطي التونسي (الحاكم إبّان عهد بن علي)، فكان متوقعا من نظامه القاعدي أن يفرز وجوها جديدة من خارج النخبة السياسية التي يريد التخلّص منها، فكانت النتيجة أن أعضاء نصف البرلمان تجمّعيون قدامى؟
هل يعود ذلك إلى قدرة الحزب القديم على التلوّن والاختراق، أم أن المشكلة أعمق من مجرّد تغيير شكل النظام؟