دلالات الإشراف المباشر من قيس سعيد على التنكيل بالمعتقلين

يرى مراقبون أن ما تم الكشف عنه بشأن الإشراف المباشر من رئيس الجمهورية قيس سعيد على التنكيل بالمعتقلين في سجون تونس يعكس حدة عقلية الاستبداد التي تدار بها البلاد.
وبحسب هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين في تونس، فإن وتيرة التنكيل بالموقوفين تتصاعد خاصة خلال اليومين الأخيرين، فيما اتهمت الرئيس قيس سعيّد بإدارة الملف ومتابعته.
وقالت الهيئة، إن المعتقلين وخاصة الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، والناشط السياسي خيام التركي، وعضو جبهة الخلاص الوطني جوهر بن مبارك، يتعرضون للإهانة، عدا عن نقلهم إلى غرف رديئة مليئة بالحشرات ودون مرافق صحية.
وذكرت أنها بصدد الدفاع عن 8 شخصيات في هذه القضية من إجمالي 10، وهي شخصيات ديمقراطية وحقوقية وأمناء أحزاب ونواب ووزراء سابقون، وقد عرفوا جميعاً بمواقفهم النضالية المدافعة عن الحقوق والحريات ومبادئ الديمقراطية المعلنة أمام الجميع.
وقال عضو هيئة الدفاع المحامي العياشي الهمامي إنّ هذه “القضية سياسية ناتجة عن طبيعة السلطة السياسية، فالرئيس سعيّد يدير البلاد بمنطق التخوين والتحريض”.
وأضاف أن قيس سعيد “منذ استيلائه على كل السلطة واحتداد الأزمة، لجأ إلى افتعال ملف سياسي مفضوح، فجل الموقفين نشطاء سياسيون معتدلون وخطابهم يعتمد على التنافس السياسي”.
وأشار إلى أنّ “رئيس الدولة يتابع الملف بشكل دقيق ويديره بنفسه.. هذا واضح للجميع من خلال الفيديوهات التي تنشرها صفحات الرئاسة”.
من جانبها، قالت المحامية وشقيقة عضو جبهة الخلاص الوطني جوهر بن مبارك دليلة مصدق إنّ “هيئة الدفاع تتكون من نحو 40 محامياً، وانطلاق القضية لم يكن بناء على وثائق ومؤيدات قيمة وثابتة بإمكانية وجود مؤامرة بل بمجرد ورقة بيضاء، بدأت بإيقاف الناشط السياسي خيام التركي وعدة شخصيات”، مشيرة إلى أن “ما حصل في هذه القضية غريب لا يشبه ما يحصل في جل القضايا”.
وتابعت “لم يتم توجيه أي اتهام في البداية لأي شخص، لأن الملف فارغ وكانوا يبحثون عن تهمة لهم على أمل أن يجدوا محجوزات أو وثائق يبنون عليها الملف، وفي غياب ذلك، لجأوا إلى الشهادات من مخبرين مجهولين حيث برزت أول شهادة بعد الإيقاف بـ5 أيام”.
وأكدت أنه “لا يمكن توجيه تهم تصل عقوبتها إلى الإعدام دون مؤيدات أو إثبات”، مشيرة إلى أن تهم الاغتيال والتآمر لا أساس لها ولم يتم مواجهة أي من المتهمين بها، و”تحوّل الاستنطاق إلى حصص تعارف من قبيل هل تعرف فلانا، وتم الاعتماد على علاقات طبيعية بين سياسيين لتلفيق التهم ووصفها بالمؤامرة”.
وقالت عضو هيئة الدفاع المحامية إسلام حمزة إن أعضاء الهيئة كانوا يأملون أن تتدخل النيابة وتوضح للرأي العام وجهة نظرها ليكون هناك الرأي والرأي الآخر، وليفندوا ما ورد، و”لكن لا حياة لمن تنادي للنيابة”.
وبينت أنه “خلال استنطاق المعتقلين بتهم الإرهاب والتآمر على أمن الدولة وتكوين وفاق وعدة تهم خطيرة، لم توجه لهم سوى مجرد أسئلة لا علاقة لها بالتهم”، مبينة أنه “تم الانطلاق بالناشط السياسي خيام التركي فقط لأنه صاحب جمعية جسور التي تكونت في 2015، والتي لها عدة علاقات بحكم أن التركي عاش خارج تونس”.
وكان دخل عدد من المعتقلين السياسيين التونسيين في إضراب عن الطعام احتجاجاً على الظروف المهينة في السجن، فيما حذر محامون وحقوقيون من تدهور الوضع الحقوقي، مؤكدين أن السلطات تطيح “جميع المكتسبات الحقوقية، وليس فقط المكتسبات المحققة بعد الثورة”.
وتواصل السلطات التونسية حملة الاعتقالات والمحاكمات التي شملت شخصيات سياسية وقيادات معارضة وبرلمانيين ومحامين وقضاة وإعلاميين، وانطلقت منذ 11 فبراير/شباط.
ونقل محامون شهادات من المعتقلين، من بينهم المحامي والأمين العام السابق للتيار الديمقراطي غازي الشواشي، الذي قال: “تمّ إعلامي بنقلي عشيّة اليوم إلى غرفة أخرى من دون تبرير ولا تفسير، فرفضت، وأحمّل مدير السّجن ومن أصدر له تعليمات التّنكيل كلّ المسؤوليّة عن محاولة إجباري على ما لا يمكن قبوله”.
ونُقل عن أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك القول: “تمّ نقلي إلى غرفة مهشّمة النّوافذ، ملوّثة الباب والجدران برسوم لصليب معقوف، بها عرض بيت الخلاء حفرة في الأرض تنبعث منها الرّوائح الكريهة”.
وتواجه غالبية الموقوفين في تونس تهم “التآمر على أمن الدولة، وتكوين وفاق إرهابي لإسقاط النظام أو ارتكاب “أمر موحش ضد الرئيس” (ثلب ومس من الكرامة)، فيما يلاحق آخرون بتهم “الفساد وتبييض الأموال”. بحسب هيئة الدفاع.
ويقبع في السجن، قادة من جبهة الخلاص المعارضة، في مقدمتهم أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك، وشيماء عيسى، والمحامي رضا بلحاج، إضافة إللى نائب رئيس حركة النهضة ورئيس الحكومة السابق علي العريض، ونائب رئيس الحركة ووزير العدل والمحامي نورالدين البحيري.
إلى حانب عضو الشورى البارز في الحركة النائب سيد الفرجاني، والقيادي المؤسس في الحركة الحبيب اللوز، ووزير الفلاحة السابق محمد بن سالم، والنائب أحمد العماري، والمدير السابق لمكتب رئيس الحزب فوزي كمون.
ومن بين المعتقلين أيضا، أمين عام الحزب الجمهوري عصام الشابي، وأمين عام التيار الديمقراطي السابق المحامي غازي الشواشي، والوزير السابق المحامي لزهر العكرمي، والنائب عن تحيا تونس وليد جلاد، ووزير البيئة والقيادي في تحيا تونس رياض المؤخر، والناشط السياسي خيام التركي، ومدير إذاعة موزاييك نور الدين بوطار، والقاضيان المعزولان الطيب راشد والبشير العكرمي، ورجال أعمال وأمنيون في علاقة بذات الملفات، من بينهم كمال اللطيف.
كما يواجه نواب حزب الكرامة السجن بتهم عسكرية وأخرى مدنية، من بينهم سيف الدين مخلوف وراشد الخياري وآخرون ينتظرون أحكاماً بعد أن شملتهم الملاحقات القضائية.