حرياترئيسي

قيس سعيد يتخطى الطغاة الأولون بتكريس الاستبداد الشمولي

يجمع مراقبون على أن رئيس الجمهورية قيس سعيد يذهب على طريق الاستبداد إلى أبعد مما وصل إليه الطغاة الأولون، فانفرد بما لم يسبقه إليه منهم.

إذ تولّى سعيد هو تفصيل بيوت التشريع بنفسه، وعلى مزاجه الشخصي، بحيث يكون هو، في نهاية المطاف، “ترزي القوانين” الذي يفصلها لنفسه بنفسه.

على هذا الطريق المظلم، أطاح قيس سعيّد بكل ما هو من اختيار الشعب، جمد البرلمان المنتخب طويلًا قبل أن يقوم بحلّه وشطبه من الوجود، ليفصل برلمانًا جديدًا على هواه وبمقاييسه من خلال انتخاباتٍ صوريةٍ باطلة قاطعها أكثر من 90% من الشعب التونسي.

وأنتجت تلك الانتخابات مجلسًا تشريعيًا فرض عليه الخرس منذ اليوم الأول وحرم عليه الاختلاف في الآراء والتنوّع في المواقف والاختيارات.

وذهب سعيد حد تحذير النواب من عواقب تصوّر أنهم نوّاب: “ليعلم هؤلاء النوّاب أنهم تحت رقابة الشعب التونسي، وما يحصل اليوم حتى مع عدد من النوّاب في تكوين الكتل، هذا أمر يعتبرونه من التاريخ، ولن يكون البرلمان كما كان في السابق، والتشريعات يجب أن تعبّر عن الإرادة العامة، لا عن إرادة بعض الجهات التي ما زالت تحنّ إلى العشرية الماضية وإلى البرلمان الماضي”.

العشرية التي يقصدها قيس سعيّد هي سنوات الثورة التونسية التي قامت من أجل الانعتاق من حكم الفرد المستبدّ إلى ديمقراطية حقيقية تقوم على التنوّع وحماية حق الاختلاف والمعارضة والمراجعة والمساءلة، من خلال بناء الأحزاب التي تتنافس فيما بينها وفق أسسٍ عادلةٍ ومحترمة، للوصول إلى السلطة عبر مسارات قانونية واضحة.

هذه العشرية قرّر جنرال المصادفة غير السعيدة أن يشطبها من التاريخ، وأن يقوم بتفصيل تاريخ جديد للثورة التونسية، غير الذي عرفه التونسيون وعايشوه وكانوا صانعيه، ليصل، في نهاية المطاف، إلى قتل الحياة النيابية واغتيال العمل النقابي، وإلغاء مفهوم الدولة الحقيقي من قاموس الحياة المعاصرة، لينفرد، وحيدًا، بكلّ السلطات، كما لو كان حاكمًا هاربًا من تاريخ العصور الوسطى.

لم يتوقف قيس سعيّد عند إحراق الحياة النيابية والتهام السلطة التشريعية في قضمةٍ واحدة، بل امتدّت يده إلى السلطة القضائية، حيث منح نفسه كل الصلاحيات والسلطات التي تجعله يتحكّم في مرفق القضاء كما يتحكّم في طواقم الطبّاخين داخل مقر الحكم، بحيث يكون وحدَه صاحب سلطة الإدارة والتوجيه والتعيين والعزل والتشغيل والفصل من الوظيفة، والترقية والحرمان والمنح والمنع.

وبحسب مراقبين فإن المسافة بين قيس سعيّد، المرشّح الذي تملّق ثورة الياسمين وتسلّقها، وزعم إنه حال فوزه لن يسكن قصر قرطاج، وبين الرئيس قيس سعيّد الذي صاح: الكل فاسد إلا أنا، معلنًا موت الثورة ومخرجاتها، هي ذاتها المسافة بين المواطن العادي، الطبيعي، والمواطن الشريف، ذلك الصنف من المواطنين الذي يتحوّل، في لحظةٍ واحدة، من الترحيب بالثورة، إلى طعنها وحرقها، خدمةً لمن يكرهونها.

الآن لم يعد قيس سعيّد يكتفي بأن يرى نفسه الصالح الوحيد والكل فاسدون، أو العالم الأوحد والجميع جاهلون، بل وصل إلى مرحلة اعتبار نفسه التونسي الوحيد، بينما الآخرون ضيوف عليها، أو عملاء وخونة وجواسيس، لا بدّ من استئصالهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق