رئيسيسياسي

سيناريوهات ما بعد هزيمة قيس سعيد في معركة الشرعية الشعبية

تكبد رئس الجمهورية قيس سعيد هزيمة جديدة في معركة الشرعية الشعبية في تونس بعد المقاطعة واسعة النطاق للانتخابات البرلمانية.

وكان سعيد راهن على خريطة طريق قاطعها التونسيون بكل وضوح في كل مراحلها، من الاستشارة الإلكترونية والحوار الوطني والاستفتاء على الدستور ثم الانتخابات التشريعية في دورتين.

وفي تعليقه على إعلان هيئة الانتخابات، التي نصبها بنفسه، أن 11.4 في المائة من التونسيين فقط شاركوا في الانتخابات، قال سعيّد: “90 في المائة لم يصوتوا، وهذا يؤكد أن التونسيين لم يعودوا يثقون بهذه المؤسسة. خلال العقد الماضي كان البرلمان مؤسسة تعبث بالدولة وكان دولة داخل الدولة”.

لكن سعيّد لم يقل هذا الكلام بعد الدور الأول، الذي أُجري في 17 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، الذي سجلت فيه النسبة ذاتها تقريباً، بل كان يراهن على هذا الدور الثاني، وقال حرفياً إن “نسبة المشاركة لا تقاس فقط بالدور الأول، بل بالدورتين”.

واعتبر سعيّد وقتها أن ذلك “شبيه بإعلان نتيجة مقابلة (مباراة) رياضية عند انتهاء شوطها الأول”.

وبعد انتهاء الشوطين، وأمام هذه المقاطعة أو العزوف غير المسبوق، عاد سعيّد ليتحدث عن شعبيته من جديد، وقال في لقاء مع رئيسة الوزراء نجلاء بودن قبل أيام: “عمقنا الشعبي أكبر من عمقهم الشعبي”.

وثبت بالأرقام أن سعيّد سقط في كل الاختبارات الشعبية التي حددها بنفسه وبشروطه واختار مواعيدها ومضامينها وأشكالها، وأقصى منها كل معارضيه، ومع ذلك بقي التونسيون في بيوتهم. ورأى الجميع، في الداخل والخارج، أن التونسيين يرفضون هذا المسار، باستثناء الرئيس طبعاً.

وعلّق عضو مجلس الشيوخ الأميركي، كريس مورفي، في بيان له نشره على موقعه، الاثنين الماضي، على النتائج قائلاً: “تشير جولة أخرى من الإقبال المنخفض بشكل صادم في الجولة الثانية في الانتخابات البرلمانية التونسية إلى أن الشعب التونسي فقد كل الثقة بهذه الانتخابات والاتجاه الذي يسير فيه الرئيس سعيّد ببلده. وقد أدى توطيد سلطته وتحوله نحو الاستبداد إلى إضعاف الديمقراطية في تونس بشدة”.

ويؤكد رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي، مدير الديوان الرئاسي الأسبق، عدنان منصر، أن “هناك انهياراً متسارعاً في شعبية قيس سعيّد، إذا ما انطلقنا من المقارنة بحجم التصويت له في الرئاسيات الأخيرة قبل ثلاث سنوات، مروراً بنتائج الدور الثاني من الانتخابات العامة، ووصولاً بكل المحطات التي دُعي فيها التونسيون للتصويت بين التاريخين، فإن هذا الانهيار لا شك فيه”.

ويرى أن “الاستفتاء على الدستور بأقل من ثلث المسجلين، وبرلمان بـ11 في المائة من الناخبين، يثير مشكل شرعية حقيقياً. في المقابل، لم يستطع قيس سعيّد حل مشكلة واحدة متعلقة بالحياة اليومية للتونسيين لحد الآن. بعض هذه المشاكل ليس معقداً، ومع ذلك فهو لم يستطع إزاءها شيئاً، على الرغم من أنه يحكم بصلاحيات إمبراطورية ومن دون رقيب أو حسيب”.

ويعتبر منصر أن “هذا الأمر يعمّق أزمة الشرعية بأزمة مشروعية خانقة. البلاد على حافة إعلان إفلاسها فعلياً، ومع ذلك فإن قيس سعيّد لا يبدو مستوعباً لدقة هذه اللحظة. هناك حالة إنكار تتعمق لديه إزاء كل مناحي الوضع، سواء أتعلق الأمر بالسياسة أم بالاقتصاد. كلاسيكياً، أزمة خانقة مع إنكار عميق، تعني انهياراً محتوماً للوضع. تونس ليست استثناءً وقواعد التاريخ والاقتصاد تنطبق عليها أيضاً”.

وبخصوص المآلات الممكنة لهذا الوضع والسيناريوهات المطروحة، يشير منصر إلى أن “هناك تعفناً أكيداً للوضع على جميع الأصعدة. هذا التعفن عندما يصل مرحلة معينة فإنه يسفر عن إحدى وضعيتين: انهيار للوضع تنفجر بموجبه حالة من الفوضى في المجتمع، أو عملية انتقال سلسة للسلطة، ولكن مفاجئة وبطريقة غير متوقعة”.

ويرى منصر “أن لتونس تقاليد قديمة في إنجاح السيناريو الثاني، بل إننا إذا نظرنا لما يتم حالياً من مبادرات، وتحديداً مبادرة المنظمات الوطنية، فأعتقد أن الأمر يتعلق في الأغلب بإعداد نوع من خريطة الطريق للسيناريو الثاني. بهذه المبادرة، هناك دخول رمزي في مرحلة ما بعد قيس سعيّد كرئيس، أو كرئيس بالصلاحيات الحالية. هذا منطقي لأن حدة الأزمة الحالية على جميع المسارات تجعله غير قابل منطقياً وحسابياً وتاريخياً للاستمرار”.

ويجمع مراقبون أنه من الواضح أن سعيّد ماضٍ في طريقه ولا يلتفت لأحد، ولكنه في الحقيقة ماضٍ في تدمير الدولة والمجتمع التونسي”.

وبحسب المراقبين فإن عزوف التونسيين عن التصويت دليل على عدم إيمان التونسيين بقدرة سعيّد على تقديم ما يطمحون إليه من استقرار سياسي وازدهار اجتماعي، وأيضاً هناك غياب للثقة في كل الطبقة السياسية، وهذا أمر يجب الإقرار به.

ويحذر هؤلاء من أن تونس مقبلة على سيناريوهات غامضة، ولا يبدو أن هناك أي سيناريو سيحدث قبل عام 2024، لأن هناك قوى خارجية لا تستطيع أن تجازف بإقصاء سعيّد، وتراقب حالة الانقسام وعدم التفاهم بين الطبقة السياسية على بديل، فجميعهم يخشون الفراغ في غياب بديل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق