
تم في تونس الانتهاء من انتخاب البرلمان الجديد على أن يكون بصلاحيات شكلية في النظام التونسي الجديد الذي صممه رئيس الجمهورية قيس سعيد لتكريس حكمه الفردي.
ونزع سعيّد عن البرلمان صلاحية مراقبة الحكومة وتعيين رئيسها من قبل أغلبية حزبية برلمانية، وتقديم مشاريع حكومية وبرامح كما كان في دستور 2014، ليختص الرئيس وحده في تعيين الحكومة وضبط السياسة العامة للدولة وتوجهاتها، ويُعلم البرلمان والمجلس الوطني للجهات والأقاليم (مجلس جديد لم يتشكل بعد) بها فقط.
ومنح سعيّد البرلمان الجديد رقابة شكلية على الحكومة محفوفة بالعقبات والشروط، إذ مكّن البرلمان والمجلس الوطني للجهات والأقاليم مجتمعيْن من معارضة الحكومة في مسؤولياتها بتوجيه لائحة لوم.
لكن قيس سعيد يختار إما أن يقبل استقالة الحكومة إذا تم توجيه لائحة لوم ثانية لها، أو أن يحلّ مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم أو أحدهما.
وخلافاً للبرلمان السابق (جمّد سعيّد عمله في 25 يوليو/تموز 2021، ثمّ حلّه)، الذي أمّن حصانة كبيرة للبرلمان والبرلمانيين، فإن نواب المجلس المقبل معرّضون لخطر سحب الوكالة منهم، أي حجب الثقة عنهم من قبل عُشر الناخبين في دائرتهم الانتخابية.
وأعلنت هيئة الانتخابات التونسية مساء أمس الإثنين، عن النتائج النهائية للدور الثاني للانتخابات التشريعية، والتي أجريت أول من أمس الأحد (أجري الدور الأول من 17 ديسمبر/كانون الأول الماضي)، ونشرت في المراكز الجهوية قائمة الفائزين بمقاعد في البرلمان الجديد.
غير أن تركيبة البرلمان ستكون فقط بـ154 نائباً من أصل 161 نائباً (عدد نواب البرلمان الجديد بعدما كان يضم 217 نائباً)، وذلك لأن 7 دوائر في الخارج لم يُسجل فيها أي ترشيح.
وسينطلق عمل البرلمان التونسي الجديد، في كل الحالات، في مارس/آذار المقبل، بعد استكمال الطعون، بصلاحيات ضعيفة واختصاصات محدودة في نظام رئاسوي مختل السلطات لفائدة رئيس الجمهورية.
وتمتد ولاية المجلس الجديد 5 سنوات وفق قواعد دستور 2022 الذي صاغه الرئيس قيس سعيّد بنفسه، مستبدلاً النظام البرلماني المعدل بنظام رئاسوي بحسب توصيف خبراء القانون، من خلال انتزاع صلاحيات برلمانية وإضافتها إلى سلطة الرئيس.
وحدّد سعيّد صلاحيات مجلس نواب الشعب (البرلمان) الجديد وأدواره بإحكام في دستور 2022 حيث جعل من السلطة التشريعية مجرد “وظيفة” شكلية تقتصر أساساً على المجال التشريعي، مع تمكن رئيس الجمهورية من أولوية الاقتراح والتشريع واقتصار النواب على الاقتراح، شرط تقديم 10 نواب لمقترحهم وشرط أن لا تخل بالتوازنات المالية للبلاد.
وفور الإعلان عن نسبة المشاركة، دعت أحزاب تونسية معارِضة لسعيّد إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكّرة. ودعا رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي، المنظمات المدنية (اتحاد الشغل ورابطة حقوق الإنسان وهيئة المحامين) إلى الانتباه للأزمة والكفّ عن تقسيم التونسيين بين أحزاب ومجتمع مدني، وإلى رحيل سعيّد وتنظيم انتخابات مبكرة.
وأكدت نائبة رئيس البرلمان المنحل سميرة الشواشي، على “شرعية البرلمان المنتخب في 2019 الذي لن يسلم العهدة إلا إلى برلمان منتخب في انتخابات ديمقراطية وشفافة”.
واعتبرت أحزاب “الجمهوري” و”العمال” و”التكتل” و”التيار الديمقراطي” و”القطب” في بيان مشترك أن “البرلمان المنبثق عن هذه المهزلة فاقد للشرعية”.
كما طالبت حركة “النهضة” باستقالة سعيّد و”فسح المجال أمام الشعب الذي لفظه لإجراء انتخابات رئاسية مبكّرة كمدخل لحل للأزمة الراهنة وكفرصة أخيرة قبل إعلان الإفلاس والانهيار الذي قاد إليه البلاد”، واصفة في بيان الدور الثاني من الانتخابات بـ”المهزلة”.
ويجمع مراقبون أن قيس سعيد وضع نظاماً سياسياً في دستوره مختل التوازن لمصلحة رئيس الجمهورية وذلك من خلال التنصيص على جهاز الحكومة والبرلمان منزوعي الصلاحيات، في مقابل منح هذه الصلاحيات لرئيس الدولة.
إذ أن دستور سعيد جمع بين صلاحيات النظام الرئاسي والنظام البرلماني في سياق وضع هذه الصلاحيات في صالح الرئيس، فرئيس الجمهورية يمارس اختصاصات الرئيس في النظام الرئاسي مع جمع اختصاصات رئيس الحكومة في نظام برلماني.
وذلك مع جمع اختصاصات البرلمان التشريعية بحيث جمع الاختصاصين معاً في حين لا مكانة تذكر لرئيس الحكومة ولا صلاحيات للبرلمان الجديد.
وعليه فإن البرلمان الجديد سيكون مشتتاً مرتبكاً بسبب نظام الاقتراع على الأفراد الذي سيجمع نواباً لا تجمعهم برامج ورؤى وتصورات مشتركة، كما سيكون منزوع الفاعلية وغير قادر على اتخاذ قرارات تعديلية أو إحداث توازن في النظام السياسي، فسيمارس النواب وظيفة تشريعية في إطار ما حدد لهم من وظائف واختصاصات مضبوطة.