رئيسيسياسي

استطلاع ميداني يظهر نتائج صادمة لغضب الرأي العام التونسي

أظهر استطلاع ميداني نتائج صادمة لغضب الرأي العام التونسي في ظل أزمة اقتصادية وتقويض المسار الديمقراطي وخنق للحريات في عهد رئيس الجمهورية قيس سعيد.

وصدرت نتائج الاستطلاع عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات النسخة الثامنة من المؤشر العربي (2022)، بهدف معرفة اتجاهات الرأي العام العربي نحو مجموعة من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

وشمل الاستطلاع 14 بلداً عربياً (موريتانيا، والمغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا، ومصر، والسودان، وفلسطين، ولبنان، والأردن، والعراق، والسعودية، والكويت، وقطر).

وتمثل المجتمعات التي أُجري فيها الاستطلاع زهاء 85% من مجموع السكان في العالم العربي. وشمل الاستبيان 333,000 مستجيب ومستجيبة، وشارك في تنفيذه 945 باحثاً وباحثة. وغطى ما مجموعه 890 ألف كيلومتر من الفضاء الجغرافي العربي.

وتونس من بين الأقطار التي شملها هذا الاستطلاع المهم. لذلك، من المفيد الوقوف عند مواقف التونسيين من مشغلَين بارزَين، عليهما قوام العمران، أعني الوضع الاقتصادي والشأن السياسي، باعتبارهما قوام استقامة معاش الناس، واستقرار حياتهم، وانتظام اجتماعهم.

في مستوى تقييم الحالة الاقتصادية سنة 2022، ذهب 53% من التونسيين، المستطلعة آراؤهم، إلى أن الوضع الاقتصادي في البلاد سيئ جداً.

واحتلت تونس بهذا الرقم المرتبة الثالثة عربياً من جهة إجماع جل المستجوبين، على اعتبار أن الواقع الاقتصادي مترد، وذلك بعد لبنان (80%) والسودان (56%).

وفي خصوص توصيف المشاركين في الاستطلاع دخل أُسَرهم، قال 12% فقط من التونسيين إن الدخل الأُسَري يغطي النفقات المطلوبة، ويمكن التوفير منه. وأفاد 36% بأن الدخل العائلي يضمن لهم الكفاف فحسب، ولا يوفرون منه شيئاً.

فيما أخبر 51% بأن ”دخْل الأسرة لا يغطي نفقاتنا اليومية، ونواجه صعوبة في تأمين احتياجاتنا”، وهو ما يعني أن هؤلاء يعيشون حالة فقر مدقع.

وغالباً ما تلجأ الأُسَر التونسية المعوزة لسد العجز الحاصل في تحقيق حاجياتها الأساسية إلى الاستدانة من أصدقاء (33%) أو تلقي معونات من أقارب (16%) أو الحصول على قروض من البنوك (19%) أو بيع ممتلكات العائلة (6%) أو القيام بعمل إضافي (11%) أو الحصول على منحة حكومية (4%) أو على معونات من جمعيات خيرية دينية (1%) أو غير دينية (2%).

وبناءً عليه، الوضع الاقتصادي شديد على الناس، ويجد معظم التونسيين صعوبات جمة في تأمين لوازمهم، وذلك غير مستغرب في ظل حكومة الاستثناء التي ضيقت على العمل الجمعوي الخيري.

وأدمنت سياسات التقشف والارتهان لصندوق النقد الدولي، وأثقلت كاهل المواطنين بالضرائب المجحفة، ولم تبذل جهداً معتبراً للتحكم في أسعار المواد الأساسية، وضمان وفرتها بالقدر الكافي في السوق الاستهلاكية.

وهو ما انعكس سلباً على المقدرة الشرائية للمواطنين الذين باتوا لا يجدون سبيلاً للتوفير، بسبب قلة السيولة وكثرة النفقات، فأصبح ضمان الكفاف اليومي غاية مُناهم.

وتبعاً لذلك، انحسرت الطبقة الوسطى، بل توشك أن تتلاشى. وفي المقابل، اتسعت دوائر الفقر التي شملت ما لا يقل عن 20% من التونسيين، بحسب تقارير موثوقة، متواترة.

ومن المتوقع أن تزداد الأوضاع سوءاً، إن استمرت حكومة نجلاء بودن في انتهاج سياسات اقتصادية تقشفية، قوامها تكثيف الاجتباء، وتجميد الأجور، ورفْع الدعم، ولبْرلة السوق، وهو ما يجعل جُل التونسيين مخيرين بيْن أمرين، أحلاهما مُر: الاستدانة من البنوك ومن الأفراد، أو الوقوع في هاوية الفقر المدقع.

وفي مستوى مواقف التونسيين من المشهد السياسي، كشف المؤشر العربي 2022 تعلق معظم المواطنين بالخيار الديمقراطي في تسيير شؤون البلاد.

فقد وافق 74% من المستجيبين على الرأي القائل إن “النظام الديمقراطي، وإن كانت له مشكلاته، فهو أفضل من غيره من الأنظمة”، واحتلت تونس المرتبة الأولى عربياً في هذا الشأن.

ودل ذلك على أن النظام الديمقراطي يحظى بقبول واسع داخل الاجتماع التونسي.

ويمكن تفسير ذلك، في جانب ما، بأن عشرية الانتقال الديمقراطي (2011 – 2021) قد راكمت منجزاً حقوقياً مهماً، من قبيل ضمان الحريات العامة والخاصة، وتعزيز التعددية، وتعزيز مشاركة المواطن في الشأن العام، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع في إدارة الصراع على السلطة، وهي مكاسب مدنية حققها التونسيون في ظل الديمقراطية، لا الدكتاتورية. لذلك، يميل جُلهم إلى التمسك بمشروع الدمقرطة في إدارة البلاد.

لكن ذلك لا يمنع من أن معظم المستجيبين عبروا عن استيائهم من أداء الطبقة السياسية الحاكمة والمعارضة على السواء.

فقد جاء في المؤشر العربي 2022 أن مجموع من يعتقدون أن الوضع السياسي سيئ وسيئ جداً يقدر بـ62% من المستجيبين.

فيما عده 22% جيداً، ولم تتجاوز نسبة مَن يصفونه بالجيد جداً حدود 3%. ويرجع ذلك أساساً إلى أن الفاعلين السياسيين لم يكونوا في مستوى تطلعات المواطنين.

ومن المفيد الإشارة في هذا السياق إلى أن 24% فقط من المستجيبين قالوا إنهم “يثقون ثقة كبيرة بالحكومة”. فيما أفاد 30% بأنهم “لا يثقون بها مطلقاً”.

ويمكن أن تُفسر حالة الاعتراض على الأداء الحكومي بأن الناس كانوا يعتقدون أن حكومة الأمر الرئاسي عدد 117 ستغير أوضاعهم، بعد أن وعدتهم نجلاء بودن بأنها ستعيد “الثقة بين المواطن والدولة”، وستعمل على تحسين الوضع المعيشي للناس، لكن ما حصل على امتداد العام المنقضي خلاف ذلك.

فقد تدهورت المقدرة الشرائية لمعظم المواطنين، وارتفعت الأسعار بشكل جنوني، واتسعت دوائر البطالة والفقر، ولم تتطور خدمات القُرب الضرورية، بل ازدادت سوءاً (ندرة مواد أساسية، ترهل البنية التحتية، نقص الماء الصالح للشراب، بيروقراطية الإدارة، محدودية الخدمات الاستشفائية…)، وهو ما زاد من منسوب الإحباط لدى كثيرين، وعمق الفجوة بين الحاكم والمحكوم.

كذلك عبر 3% فقط عن ثقتهم الكبيرة بالأحزاب السياسية، فيما أفاد 78% بأنهم لا يثقون بها مطلقاً. وأخبر 5% فقط بأن ثقتهم عالية بالمجلس التشريعي.

ويعود هذا الاستياء إلى أسباب عدة، من بينها عدم جدية الطبقة السياسية في التعاطي مع مشاغل المواطنين الملحة، وانشغال معظم الفاعلين السياسيين بصراع موتور على السلطة، وبمعارك الإقصاء والإقصاء المضاد، وتعاملهم المصلحي، الغنائمي مع المواطنين، فهم يلتفتون إليهم بشكل موسمي، مناسباتي، زمن الحملات الانتخابية، ولا يبذلون الجهد تالياً لتحويل وعودهم الوردية في الزمن الانتخابي إلى واقع يحياه الناس.

بل ينصرف جلهم بعد ظفرهم بكرسي رئاسة الجمهورية، أو بعد فوزهم بمقعد في المجلس النيابي، إلى ترويج خطاب الكراهية، وادعاء امتلاك الحقيقة، وتخوين الآخر، والبحث عن الشهرة والفرقعة الإعلامية.

يضاف إلى ذلك شعور كثيرين بأن الحراك السياسي بعد ثورة 2011، وبعد أحداث 25/07/2021، لم تواكبه نقلة تنموية نوعية، ولم يُثمر عائداً اقتصادياً ظاهراً، ولم يُحسن وضعهم المعيشي، ولم ينتقل بهم من الكفاف إلى الرفاه. لذلك، تزايد نفور جل المواطنين من السياسيين الحاكمين والمعارضين بسبب قصورهم البرامجي والتنفيذي.

وقد تجلى العزوف عن الفعل السياسي بشكل لافت للنظر في الأرقام التي أوردها المؤشر العربي 2022. فقد حلت تونس في المركز الأول عربياً من جهة عدم انخراط مواطنيها في السياسة خلال السنة المنقضية.

فقد أخبر 97% من المستجيبين أنهم لم يشاركوا على الإطلاق في توقيع عريضة أو رسالة أو وثيقة احتجاج خلال الاثني عشر شهراً الماضية. كذلك صرح 46% بأنهم غير مهتمين مطلقاً بالشأن السياسي في البلاد.

وتأكد عزوف الناس عن السياسة، مع ظهور ما يعرف بمسار 25 يوليو 2021 الذي أدمن أنصارُه ترذيل العمل السياسي، وشيطنة المتحزبين خصوصاً، والمعارضين للنظام الحاكم عموماً.

وأدى حكم قيس سعيد البلاد بمراسيم لا تقبل النقض، وهيمنته على كل السلطات، وتسطيره دستوراً وقانوناً انتخابياً على مقاسه إلى انحسار الحريات وتراجع مشاركة المواطنين في الشأن العام.

وتبدى ذلك بوضوح من خلال ضعف نسب المشاركة في الاستشارة الرئاسية الإلكترونية (5.4%)، وفي الاستفتاء على دستور الرئيس (27%)، وفي الدور الأول من الانتخابات التشريعية (11.22%)، فكان العزوف ههنا فعلاً احتجاجياً، رافضاً لإدارة البلاد بشكل أحادي ولمسار 25/7/2021 ومخرجاته المُسقَطة.

والواقع أن سوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية دفع 56% من التونسيين، بحسب المؤشر العربي، إلى القول إن “البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ”، وهو ما يدل على حالة من اللايقين وتلاشي الأمل بغد أفضل تعتري معظم المواطنين، وذلك بسبب إهدار التجربة الديمقراطية، والأزمة الاقتصادية الخانقة، وانسداد الأفق.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق