أخبار تونسرئيسي

تصاعد التحذيرات من انفجار عام في تونس مع تفاقم الأزمات

تتصاعد التحذيرات من انفجار عام في تونس مع تفاقم الأزمات الاقتصادية واستشراء الفقر والبطالة في ظل فشل حكومي عام.

وأكدت جبهة الخلاص الوطني المعارضة في تونس، أن تزامن الاحتجاجات في عدد من مدن البلاد، يعبّر عن معاناة المواطنين، محذّرة من انفجار عام ومن انهيار الوضع الاجتماعي والسياسي.

وأشارت الجبهة المعارضة إلى أن “مظاهر الاحتجاج الشعبي في أكثر من منطقة من مناطق البلاد منها في عقارب للاعتراض على تشغيل مصب للنفايات.

وفي جرجيس للاحتجاج على تقاعس السلطة الجهوية عن إغاثة الغرقى من أبناء المنطقة، في محاولة منهم للهجرة السرية، وفي دوار هيشر للمطالبة بالتشغيل والتنديد بغلاء المعيشة واستفحال الفقر.

وفي مرناق للتنديد بظروف العمل الهش التي دفعت أحد التجار المتجولين إلى الانتحار، بعد أن حجزت عنه شرطة البلدية أدوات عمله الهش.

واعتبرت الجبهة أنه “في تزامن هذه الأحداث التي جرت 25 سبتمبر وفي انتشارها بأكثر من منطقة بالعاصمة والجهات تعبير عن معاناة المواطنين من غلاء المعيشة واستشراء الفقر والبطالة، وانقطاع المواد الغذائية الأساسية بالأسواق”.

كما في الاحتجاجات مؤشرا على درجة الاحتقان الاجتماعي لدى عموم المواطنين، وهو نذير بانفجار عام وبانهيار الوضع الاجتماعي والسياسي في البلاد.

وقالت الجبهة إنها إذ “تفنّد المبررات الحكومية التي تلقي بمسؤولية تدهور الوضع على كاهل المحتكرين، تعتبر أن معاناة المواطنين تعود أساساً للأزمة المالية التي تمر بها البلاد”.

وذلك “جراء السياسات الاقتصادية والنقدية غير الملائمة التي أعاقت محركات النمو (الاستثمار والاستهلاك والتصدير)، وتسببت في تفاقم الفقر وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين. وما الحرب الأوكرانية التي تتعلل بها السلطة إلا عامل إضافي يضاف إلى أزمة هيكلية مزمنة سابقة لها”.

واعتبرت الجبهة أن “التعويل على الاتفاق مع صندوق النقد الدولي قاصر وحده عن حل الأزمة، بل إنه سيتسبب في مزيد من تدهور القدرة الشرائية للمواطنين ومن نسب البطالة والفقر في ظل وضع اجتماعي وسياسي متوتر”.

وعبرت “جبهة الخلاص الوطني” عن “تعاطفها مع هذه التحركات الاجتماعية السلمية، وتؤكد أن حل الأزمة يتوقف على وفاق تونسي- تونسي للنهوض بالاقتصاد، تحت إشراف حكومة إنقاذ تصدر عن حوار وطني جامع وعاجل”.

ودعت “جبهة الخلاص” القوى الوطنية السياسية والمدنية كافة، إلى “الانتباه إلى خطورة الوضع، وضرورة توحيد الموقف، والاجتماع حول مائدة الحوار الوطني قبل فوات الأوان”.

وتواجه تونس أزمة غذاء متفاقمة في ظل حكم استبدادي يتنصل من مسئولياته إذ يعد توفير الغذاء وتيسير سبل الوصول إليه من أوكد واجبات الدولة تجاه مواطنيها قديما وحديثا.

وقد عرفت منظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو) الأمن الغذائي بأنه “توفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع بالكمية والنوعية اللازمتين لتلبية احتياجاتهم بصورة مستمرة من أجل حياة صحية سليمة ونشيطة”.

وفي ذلك إخبارٌ بأن تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي يستلزم ضمان وفرة المنتجات الغذائية الأساسية، ومأمونية الغذاء (سلامته وصلاحيته للاستهلاك البشري)، وسهولة الحصول عليه من خلال عرضه بكميات كافية، وبأسعار مقبولة في مقدور عموم المواطنين.

ويُعد تحقيق الاعتماد الغذائي الذاتي من علامات سيادة الدولة واستقلالها، وعدم ارتهانها للخارج.

والمشهود في تونس، بعد سنة ونيف من الاحتكام إلى التدابير الاستثنائية التي أعلنها الرئيس قيس سعيد (25/07/2021) أن البلاد غدت تعاني أزمة أمن غذائي حقيقية، وتقف على حافة النقص الغذائي الشامل. ولذلك تجليات عدة وتداعيات جمة على الاقتصاد والاجتماع في الداخل التونسي.

بالرغم من محدودية المنجز الاقتصادي والتنموي خلال العشرية المنقضية (2011-2021)، فإن الحكومات المتعاقبة خلال مرحلة الانتقال الديمقراطي نجحت، إلى حد كبير، في ضمان الكفاف الغذائي، وضمنت تزويد السوق الاستهلاكية بالسلع الأساسية والمواد الغذائية الضرورية، وحافظت نسبيا على توازن معتبر بين وتيرة الأسعار والمقدرة الشرائية للمواطنين.

لكن الملاحظ في زمن حكم الاستثناء، بقيادة قيس سعيد ورئيسة الحكومة نجلاء بودن، أن وتيرة العرض الغذائي أصبحت محدودة، وأمسى المستهلكون يشتكون ندرة مواد غذائية حيوية أو عدم وجودها أصلا في السوق.

وغدا لافتا أن ترى يوميا طوابير من المواطنين يقفون أمام المحلات التجارية والمخابز، للحصول على مواد استهلاكية أساسية نادرة (الزيت النباتي، الخبز، الزبدة، الحليب ..)، أو تراهم يسألون الباعة عن موعد وصول شحنات من سلع مفقودة من قبيل السكر، والأرز، والطحين، والدقيق، والقهوة .

وفي هذا الخصوص، يقول كاتب عام الفرع الجامعي للسياحة والتجارة والصناعات التقليدية سهيل بوخريص: “مادة السكر نفدت بشكل تام من مخازن الديوان التونسي للتجارة في كامل جهات الجمهورية، وإن تونس أبرمت اتفاقيات لتوريد 20 ألف طن من مادة السكر من الجزائر، و30 ألف طن من الهند تصل إلى البلاد في غضون الشهر الجاري”.

وأضاف بوخريص أن “احتياجات البلاد من مادة السكر تقدر يوميا بألف طن، ولم تستورد تونس منذ شهر حزيران/ يونيو الماضي إلى اليوم سوى 50 ألف طن من أصل 90 ألف طن”. وفي سياق متصل، قال مدير مكتب البنك الدولي في تونس، ألكسندر أوربيو، إن تونس تواجه تحديات كبيرة على مستوى إمدادات الحبوب بسبب صعوبات الوصول إلى الأسواق المالية وارتفاع الأسعار العالمية، “ما أثر على قدرة البلاد على شراء الحبوب المستوردة”.

علما أن تونس لا تنتج سوى 30% من حاجتها من القمح اللين. لذلك ارتفعت واردات ديوان الحبوب في تونس من 1.5 مليار دينار سنة 2019، ما يُعادل 1.2% من الناتج الداخلي الخام، إلى 2.4 مليار دينار سنة 2021، ما يمثل زهاء 1.8% من الناتج الداخلي الخام.

ومن المتوقع أن تبلغ قيمة واردات البلاد من الحبوب 4.5 مليارات دينار سنة 2022 إذا ما تواصلت الحرب الروسية على أوكرانيا، وظلت الأسعار العالمية عند معدل الأسعار المتداولة خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، بحسب تقديرات البنك الدولي.

وتواترت أخبار تفيد ببقاء بواخر محملة بالحبوب مُدَدا طويلة في الموانئ التونسية، وامتناعها عن تفريغ حمولتها بسبب مطالبتها بالخلاص نقدا، وتأخر الدولة التونسية في دفع المستحقات المالية للموردين.

ويرجع ذلك، في جانب ما، إلى تراجع احتياطي تونس من العملة الصعبة، ما جعلها غير قادرة على توفير حاجياتها من المواد الاستهلاكية المستوردة، وعاجزة عن الوفاء بتعهداتها المالية للمزودين الأجانب بحسب مراقبين.

يضاف إلى ذلك أن تقليص الترقيم السيادي لتونس من بعض وكالات التصنيف الائتماني الدولية، واعتبارها عاجزة عن سداد ديونها في الوقت المناسب، ساهما في نفور المزودين من الطرف التونسي، وزاد من مصاعب خروج الحكومة للحصول على مساعدات مالية من السوق الدولية.

ولذلك كله تداعيات خطيرة على الاقتصاد والاجتماع على السواء. فمن الناحية الاقتصادية، أدى تزايد الطلب على المواد الفلاحية عموما، والمنتجات الغذائية خصوصا، إلى تعمق عجز الميزان التجاري الغذائي في تونس.

وبحسب المرصد الوطني للفلاحة، فقد بلغ 2154 مليون دينار في أغسطس/ آب 2022 مقابل 1320 مليون دينار في الفترة نفْسها من سنة 2021.

وورد في تقرير صادر عن المرصد الاقتصادي للبنك الدولي في تونس (صيف 2022) بعنوان “إدارة الأزمة في وضع اقتصادي مضطرب” أن “العجز التجاري ارتفع بنسبة 56% خلال السداسي الأول لعام 2022 ليبلغ 8.1% من الناتج القومي الخام”.

وأدت الزيادة في أسعار السلع الأساسية في الأسواق العالمية إلى فرض ضغوط على المالية العمومية التونسية.

فقد ارتفع معدل التضخم من 6.7% في يونيو/ حزيران 2022 إلى 8.6% في أغسطس/ آب من العام نفسه، بحسب المعهد الوطني للإحصاء.

ومن المرجح، في تقدير البنك الدولي، أن يبلغ عجز الميزانية العامة 9.1% في عام 2022 مقارنة بـ7.4% في عام 2021.

وذلك في ظل عجز الدولة عن إدارة منظومة الدعم بطريقة رشيدة، وتراخيها في ابتكار برنامج ناجع للإصلاح الزراعي، ومحدودية القدرة الإنتاجية الذاتية في المجال الغذائي، وكذا في ظل ارتهان ميزانية الدولة للقروض والمداخيل الضريبية غير الثابتة.

وكذلك انتشار حالة من عدم اليقين بشأن قدرة الدولة التونسية على توفير إمدادات كافية من المواد الغذائية الأساسية الموجهة إلى السوق المحلية.

وانعكس هذا الوضع الاقتصادي المأزوم سلبا على الوضع المعيشي لمعظم التونسيين، فقد تدهورت المقدرة الشرائية لمعظم المواطنين في زمن حكم الاستثناء، بسبب الارتفاع الجنوني للأسعار الناجم أساسا عن قلة العرض وكثرة الطلب على المنتجات الغذائية.

وعن عجز الدولة عن إرساء مشاريع إنتاجية وتنموية جديدة، وعدم اعتمادها سياسات استباقية لمواجهة النقص الغذائي، وكذا عدم تنويعها مصادر التوريد، وعدم جدية الهياكل الرقابية في مراقبة مسالك التخزين والتوزيع ومكافحة المضاربة والاحتكار.

ودفع النقص الفادح في المواد الغذائية الأساسية (الحبوب، السكر، القهوة، الزيت النباتي…) بعض المستثمرين المحليين والأجانب إلى إغلاق مصانعهم، وهو ما يعني إحالة الآلاف إلى بطالة قسرية.

وفي هذا السياق، أغلقت مصانع الشوكولاتة والبسكويت والمشروبات الغازية أبوابها في بعض المحافظات (بن عروس مثالا)، جراء فقدان مادة السكر. وأغلقت عدة مخابز بسبب ندرة الحبوب. كما تعطلت بعض مصانع تكرير الزيت النباتي وتعليبه.

ونتيجة لذلك، وجد عمال كثيرون أنفسهم بلا راتب، وفي وضع معيشي صعب، وهو ما دفعهم إلى القيام بوقفات احتجاجية ضد النظام القائم، مطالبين بضرورة توفير المواد الغذائية الأساسية، وضمان حقهم في العمل والعيش الكريم.

كما تظاهر عدد معتبر من المواطنين في شارع الحبيب بورقيبة، ودوار هيشر، والقيروان، وصفاقس، معبرين عن سخطهم من ارتفاع الأسعار، وعجز المنظومة الحاكمة عن توفير احتياجاتهم الغذائية الضرورية، رافعين شعار: “يا مواطن.. يا مقموع.. زاد الفقر.. زاد الجوع”.

وهو ما يُخبر باتساع دائرة الغضب الجماعي من أداء حكم الاستثناء في تعاطيه مع ملف الأمن الغذائي خصوصا، والملف الاقتصادي عموما.

ويشير أحدث استطلاع للرأي (الباروميتر السياسي) الذي صدر عن مؤسسة “سيغما كونساي” بالاشتراك مع صحيفة المغرب التونسية (14/09/2022) إلى تراجع منسوب التفاؤل لدى التونسيين من 61.5% في شهر أغسطس/ آب المنقضي إلى 44.5% في شهر سبتمبر/ أيلول الحالي.

ويرى 89.4% من المستجوبين أن الفجوة زادت اتساعا بين الأغنياء والفقراء، وهو ما يدل على تنامي الإحساس بالتفاوت بين الجهات والطبقات، وغياب العدالة الاجتماعية في عهد حكم الاستثناء.

فيما اعتبر 50% من المستطلعة آراؤهم أن تونس تسير في الطريق الخطأ. ومعلوم أن هذه المعطيات تشير إلى أزمة ثقة بين الحاكم والمحكوم، وإلى انتشار شعور بخيبة الأمل من حكم الاستثناء، يمازجه إحساسٌ باللايقين تجاه المستقبل لدى طيف معتبر من التونسيين، فضلا عن تنامي حالة الضيق والاحتقان، والشعور بالسخط على أداء الطبقة الحاكمة، وهو ما ينبئ باحتمال اندلاع انتفاضة جوع احتجاجا على قلة الغذاء وشدة الغلاء على الناس.

وقد علق كثيرون في تونس آمالا عريضة على حكم الاستثناء بقيادة قيس سعيد ورئيسة حكومته نجلاء بودن، وظنوا أن تقويض دستور 2014 وإغلاق البرلمان المنتخب، وحل الحكومة والمجلس الأعلى للقضاء بالقوة، وترتيب استفتاء على المقاس ستأخذ البلاد من الارتباك إلى الاستقرار، ومن التعثر إلى النجاعة، ومن الضبابية إلى اليقين.

لكن الواقع خلاف ذلك، فمع حكم الاستثناء، لم تحقق البلاد “صعودا شاهقا في التاريخ”، بل خرجت عمليا من نادي الدول الديمقراطية، ولم ينتقل الناس من حيز الفقر إلى رحاب الرفاه، بل وجد الجميع أنفسهم على حافة النقص الغذائي الشامل. وفي ذلك دلالة على أن البلد خسر مشروع الدمقرطة المستدامة والتنمية الشاملة على السواء في زمن حكم الاستثناء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق