
سجلت الانتخابات التشريعية المزمعة في تونس يوم 17 كانون أول/ديسمبر المقبل سقوطا مدويا حتى قبل إجرائها في ظل حملة مقاطعة حزبية واسعة وانتقادات حقوقية لمرسوم إجرائها.
وكان رئيس الجمهورية قيس سعيد أصدر مؤخرا مرسوما لتنقيح (تعديل) القانون الانتخابي يعتمد التصويت على حسب الأفراد ويعيد تقسيم الدوائر الانتخابية.
ووفق المادة الأولى من الأمر الرئاسي “يدعى الناخبون يوم السبت 17 كانون أول/ديسمبر لانتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب، كما يدعى الناخبون المقيمون بالخارج أيام الخميس والجمعة والسبت 15 و16 و17 ديسمبر 2022”.
ومنذ 25 يوليو/ تموز 2021، تعاني تونس أزمة سياسية حادة حين بدأ سعيّد فرض إجراءات استثنائية منها إقالة الحكومة وتعيين أخرى وحل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وإقرار دستور جديد للبلاد عبر استفتاء في 25 يوليو/ تموز الماضي وتبكير الانتخابات البرلمانية.
وتؤكد قوى تونسية ومنظمات حقوقية محلية ودولية أن هذه الإجراءات تمثل “انقلاباً على دستور 2014 وترسيخاً لحكم فردي مطلق”.
وقد أعلنت 5 أحزاب تونسية، هي الجمهوري والتكتل والتيار الديمقراطي والقطب والعمال، مقاطعتها للانتخابات التشريعية.
وصرح الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي إن “الأحزاب الخمسة قررت مقاطعة الانتخابات التي دعا لها قيس سعيّد وفق المرسوم الذي أصدره”.
وأضاف الشابي أن “هذه الانتخابات محطة أخيرة في الأجندة السياسية التي حاول أن يفرضها سعيد بعد انقلابه على الدستور والشرعية”.
وتابع: “تونس ليست في مسار أو مناخ انتخابي. ولا يمكن أن نقبل تزكية هذا المسار الانقلابي في محطته الأخيرة”.
ولفت إلى أن: “75 بالمائة من التونسيين لم يشاركوا في الاستفتاء وبالتالي فإن الدستور الذي فرضه سعيد بقوة الأمر الواقع سقط سياسياً وأخلاقياً وانتخابياً”.
وأكد الشابي أن “سعيد لا يؤمن بالديمقراطية التمثيلية ولا بالأحزاب، وهو يسعى من خلال هذه الانتخابات إلى فرض نظامه القاعدي المباشر”.
من جهته، قال رئيس حزب التكتل من أجل العمل والحريات، خليل الزاوية، في المؤتمر الصحافي ذاته إن “هذا الخماسي بصدد التشاور فيما بينهم ومع مكونات أخرى من أجل طرح مبادرة سياسية جديدة لإنهاء الأزم، واقتراح أرضية سياسة مشتركة يمكن أن تقود إلى ائتلاف سياسي يتوسع إلى مكونات أخرى في الساحة التونسية”.
واعتبر الزاوية أن “هذا القانون الانتخابي جاء لترذيل الحياة السياسية وضرب الأحزاب”، مضيفاً “سنعمل على كشف هذه الانتخابات وإسقاطها، لأنها مرحلة جديدة من تجميع كل السلطات بين يدي الرئيس قيس سعيد”.
بدوره، اعتبر القيادي في حزب التيار الديمقراطي، محمد الحامدي، أن “القانون الانتخابي الجديد انقلاب على الديمقراطية”، مبيناً أن “البرلمان الجديد الذي سينتج منه سيكون برلماناً بلا سياسة ولا سياسيين، لأنه سيكون بلا أحزاب”.
ولفت الحامدي إلى أن “القانون الانتخابي الجديد صعّب المشاركة على المواطنين التونسيين، بفرض شروط كثيرة وصعبة، وسحب التمويل العمومي للحملات الانتخابية وحصر دور المرأة في التزكية فقط من خلال إقرار التناصف في تقديم التزكيات، والتراجع بالتالي عن كل مكتسباتها السابقة”.
وتابع: “كما كرس مبدأ الزبونية والمال السياسي من خلال إقرار عدد كبير من التزكيات على كل مترشح، ثم إمكانية سحب الوكالة من النواب بعد الانتخابات”.
وشدد الحامدي على مقاطعة الخماسي للمسار الانتخابي الذي أقره سعيد، داعياً في الوقت ذاته “جميع الأحزاب السياسية والمواطنين إلى مقاطعته والعمل على التحول إلى مسار ديمقراطي حقيقي”.
وقال زعيم حزب العمال اليساري، حمة الهمامي، إنه “منذ اليوم الأول لانقلاب سعيد اعتبرنا أنه دكتاتور، بينما كان هناك من ينتقدنا لذلك، ويعتبر أننا ندافع عن منظومة النهضة، في حين أننا كنا ندعو لإسقاطها أيضاً”.
وانتقد الهمامي المرسوم الجديد عدد 54 (المتعلق بالجرام المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال)، معتبراً أنه جاء لـ”ضرب حرية التعبير والتضييق على الإعلام والمعارضين، ورفع عصا العقوبات بالسجن لسنوات طويلة لإسكات الأفواه”.
وأضاف أن “سعيد دكتاتور وهو يدرك ما يفعل ويتلاعب بالجميع، وقد أخرجنا من الجمهورية”.
بدوره اعتبر رئيس جبهة الخلاص الوطني المعارضة في تونس أحمد نجيب الشابي، أن الانتخابات التشريعية المقبلة “سقطت قبل أن تتم، بفعل مقاطعة أغلب الساحة السياسية”.
وعلى خلفية احتجاز رئيس الحكومة الأسبق علي العريض، والتحقيق مع رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، قال الشابي، في مؤتمر صحافي: “ثبتت توقعاتنا السابقة بأنّ (الرئيس) قيس سعيّد يستهدف الشخصيات المعارضة من الصف الأول، والأحداث اليوم تؤكد ذلك”.
وبخصوص القانون الانتخابي الجديد، قال الشابي إن “الرئيس سعيد انفرد بذلك كما انفرد بصياغة الدستور”.
ووصف الشابي شروط الترشح للبرلمان بـ”التعجيزية”، على غرار الشرط المتعلق بتوفير 400 تزكية، معتبراً أن “هذا القانون غير صالح للمشاركة الانتخابية، وهو مجرد قانون يساهم في بناء النظام القاعدي للرئيس سعيد”، منتقداً “تمكين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من صلاحيات مطلقة”.