حرياترئيسي

مرسوم رئاسي جديد يقوض حرية الرأي والتعبير في تونس

قوبل مرسوم رئاسي جديد أصدره رئيس الجمهورية قيس سعيد، يتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، بانتقادات واسعة بوصفه تقويض أخر على حرية الرأي والتعبير في تونس.

وصدم المرسوم الذي نُشر في الجريدة الرسمية التونسية، المتابعين للشأن السياسي والإعلامي بسبب ما تضمنه من عقوبات قد تكون مدخلاً للتضييق على حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة.

إذ نص القسم الفرعي الثالث من المرسوم والمعنون بـ”في الاشاعة والأخبار الزائفة” في فصله 24، على العقاب بالسجن لمدة خمس سنوات وغرامة مالية قدرها 50 ألف دينار تونسي (حوالي 17 ألف دولار أميركي) لكل من يتعمد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتصال لإنتاج أو ترويج أو نشر أو إرسال أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذباً للغير بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان، وتتم مضاعفة العقوبة إذا كان المستهدف شخصاً يعمل في الأجهزة الرسمية للدولة.

وأثار المرسوم الغضب والتخوفات في تونس على حرية الرأي، ورأى فيه الناشط الحقوقي والسياسي عبد الوهاب الهاني، شكلاً من أشكال منح الحصانة للعاملين في أجهزة الدولة، في حين تتجه القوانين الدولية إلى إلغاء العقوبات البدنية في جرائم الرأي.

أما الإعلامي سمير الجراي فوصف المرسوم بـ”مرسوم خطير يتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال يستهدف بشكل خطير العاملين فى قطاع الصحافة خاصة وكل مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي عامة”.

وقال عبد السلام الزبيدي، مدير الأخبار في إذاعة “موزاييك أف أم” الخاصة، “بشائر الديمقراطية الحق.. هنيئاً أبواب السجون المشرّعة.. وأرجو صادقاً أن يتجرع سموم القانون المطبلون والمزمرون قبل غيرهم”.

وأكدت المنظمات الحقوقية التونسية والنقابات المهنية الناشطة في قطاع الإعلام رفضها المبدئي لكل تضييق على حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة تحت أي مسمى كان.

واعتبرت أن تركيز المرسوم على العقوبات السالبة للحرية يجعله سيفاً مسلطاً على رقاب العاملين في الحقل الإعلامي ومستعملي شبكات التواصل الاجتماعي.

والمرسوم الرئاسي الذى صدر، مساء الجمعة، هو الأول من نوعه في مجال تنظيم عمل أنظمة المعلومات والاتصال، حيث كان ينظم هذا المجال مجلة الاتصالات التي لم تتضمن عقوبات زجرية وبدنية مثل التي جاء بها المرسوم الجديد.

ومؤخرا حذرت منظمة مراسلون بلا حدود الدولية من أن شبح السنوات المظلمة يخيم على الصحافة من جديد في تونس بعد إقرار الدستور الجديد للبلاد الذي صاغه رئيس الجمهورية قيس سعيد لتكريس استبداده.

وقالت المنظمة إنها تدق ناقوس الخطر بشأن اللبس الذي يلف نص الدستور الجديد وما ينطوي عليه من تهديد للمكتسبات المحققة على صعيد حرية الصحافة.

وقال خالد درارني، ممثل مراسلون بلا حدود في شمال إفريقيا، “إن الصحفيين التونسيين الذين حققوا مكتسبات هائلة ونموذجية في مجال حرية الإعلام منذ ثورة 2011 باتوا مهددين بدفع ثمن باهظ جراء التراجع الذي ينطوي عليه الدستور الجديد”.

في 30 يونيو/حزيران، كشف الرئيس التونسي قيس سعيّد عن مشروع الدستور الجديد، الذي تم تعديله لاحقاً وطُرح للتصويت عليه في 25 يوليو/تموز.

علماً أن النسخة المحالة على الاقتراع تحمل في طياتها تهديدات بالعودة إلى نظام حكم يضع سلطات مفرطة في يد رئيس الجمهورية، بما يشكل استمراراً للعملية التي انطلقت في 30 مارس/آذار الماضي، بتعليق البرلمان ثم حله لاحقاً، وهو نفس الإجراء الذي كان قد طال المجلس الأعلى للقضاء قبل ذلك بشهرين.

وإذا كان مشروع الوثيقة الدستورية ينص على حرية الصحافة والإعلام، فإن العديد من علامات الاستفهام لا تزال مطروحة بشأن بعض المواد التي يمكن أن تقوض الضمان الفعلي للحريات، ولا سيما تلك المتعلقة بالتعبير والصحافة.

وفي هذا الصدد، أوضحت الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية أن “مشروع الدستور يطرح مشكلة خطيرة فيما يتعلق بالقيود المفروضة على الحقوق والحريات، وذلك رغم إشارته إلى بعض الحقوق والحريات الجديدة، مثل حرية الفرد (الفصل 26)”.

ومن الأسباب الأخرى المثيرة للقلق بشأن استقلالية الهيئات التنظيمية لقطاع الإعلام إلغاءُ الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري(HAICA)، التي ساهمت إسهاماً كبيراً في صون حرية الصحافة في القطاع.

وفي خضم الانتقادات العديدة التي واجهها المشروع الجديد داخل البلاد وخارجها، عمد قيس سعيّد إلى تعديل النص في 8 يوليو/تموز بإضافة عبارة “ضرورة يقتضيها نظام ديمقراطي”.

لينص على عدم جواز وضع “قيود على الحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور إلا بمقتضى قانون ولضرورة يقتضيها نظام ديمقراطي وبهدف حماية حقوق الغير أو لمقتضيات الأمن العام أو الدفاع الوطني أو الصحة العمومية”.

وبما أن هذه الإضافة لا تغير من جوهر النص في شيء، فإن مراسلون بلا حدود جددت دعوتها لضمان الحريات الأساسية، بما في ذلك حرية الصحافة، دون أن تتوقف هذه الحريات على الرئيس بشكل حصري.

كما أن السياق السياسي المحيط بالتصويت على الاسفتاء يلقي بظلاله على الاقتراع أيضاً، حيث استفرد قيس سعيّد بكل الصلاحيات منذ إقدامه على حلَّ البرلمان التونسي الربيع الماضي، وهو الذي انتُخب رئيساً في أكتوبر/تشرين الأول 2019.

علماً أن منظمة مراسلون بلا حدود كانت قد حذرت السلطات التونسية آنذاك من تدهور المناخ السياسي وانعكاسات ذلك على حرية الصحافة.

وتُعتبر حرية الصحافة مسألة محورية في تونس، التي كانت سباقة إلى الانفتاح الديمقراطي في منطقة شمال إفريقيا بأكملها إثر التغييرات التي شهدها البلد عام 2011، علماً أن هذا الدور الرائد على صعيد المنطقة هو الذي دفع مراسلون بلا حدود إلى إنشاء مكتبها الإقليمي الأول هناك في أكتوبر/تشرين الأول 2011.

ومنذ ذلك التاريخ، أكدت مؤسسات الدولة وفعاليات المجتمع المدني – النقابية منها والجمعوية – التزامها بحرية الصحافة من خلال تقديم الدعم للصحفيين التونسيين من أجل مساعدتهم على إرساء أسس صحافة حرة ومستقلة في البلاد.

وسرعان ما سارت البلاد في الاتجاه المعاكس تحت حُكم قيس سعيّد، مما قوَّض كل التقدم الذي تم إحرازه منذ عام 2011.

ففي يناير/كانون الثاني الماضي، نشرت مراسلون بلا حدود تقريراً بعنوان “الصحافة في تونس: لحظة الحقيقة” نبهت فيه إلى مخاطر تقويض المكتسبات التي حققتها الثورة التونسية في مجال حرية الإعلام.

وفي حينه اعتَبرت مراسلون بلا حدود أن الصحافة التونسية تقف عند منعرج فاصل في تاريخها، علماً أن التقدم المحرز في هذا الصدد باتت مهدَّدة أكثر من أي وقت مضى في ظل البطء الشديد الذي ميَّز تحول قطاع الإعلام التونسي خلال السنوات العشر الماضية وما صاحب ذلك من تطورات سياسية متسارعة.

لكن الوضع استمر في التدهور منذ نشر هذا التقرير، وهو ما عكسه مضمون مشروع الدستور المطروح للتصويت في استفتاء 25 يوليو/تموز.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق