رئيسيسياسي

مخاطر استراتيجية قيس سعيد في التصعيد ضد القضاة

يتبنى رئيس الجمهورية قيس سعيد استراتيجية قائمة على استمرار التصعيد ضد القضاة في تونس في إطار سعيه لتكريس الحكم الاستبداد وحصر السلطات تحت سيطرته.

وتشهد تونس فصلاً جديداً من الصراع بين السلطة والقضاة، بعد الاتهامات الخطيرة التي وجهتها وزارة العدل مجدداً للقضاة المعفيّين، ورفضها إلى حد الآن تنفيذ قرار المحكمة الإدارية بعودة هؤلاء القضاة إلى أعمالهم، بعد عدم ثبوت أي تهم بشأنهم.

وصرح سعيّد قبل أسابيع في اجتماع وزاري أنّه بعد النظر في الملفات، والتدقيق والتمحيص لأسابيع “ثبت ارتكاب عدد من القضاة تجاوزات جسيمة وإخلالات تهدّد المصالح العليا للبلاد”.

واتهم سعيّد قضاة بالتورط في فساد مالي وتزوير أوراق رسمية، والتستّر على متورّطين في الإرهاب، وحماية مسؤولين سياسيين وحزبيين من المحاسبة، ومنع إجراء تحقيقات أمنية في قضايا إرهابية.

وصدرت قائمة تضم 57 قاضياً تم إعفاؤهم، تولت وزارة العدل دفع تعويضات لهم لتسريع خروجهم النهائي، دخل على إثرها كامل الجسم القضائي في سلسلة احتجاجات ميدانية، وإضرابات الجوع، بدأها القاضي حمادي الرحماني.

وقد لاقت حملات مساندة واسعة من المجتمع المدني والأحزاب السياسية، توجه بعدها القضاة إلى المحكمة الإدارية التي أنصفت الكثير منهم، وأوقفت تنفيذ قرار عزلهم، وطالبت بعودتهم إلى مناصبهم.

جاء قرار المحكمة الإدارية بعد أن طلبت من وزارة العدل تقديم مؤيدات العزل وملفات الاتهامات، دون الوصول إليها، ليفاجأ الجميع، عشية السبت الماضي، بسلسلة اتهامات تقدمها الوزارة من جديد بشأن القضاة، بعد صدور قرار المحكمة الإدارية الذي يعتبر نافذا ونهائيا.

وقالت الوزارة، في بيان لها، إنها قامت بإحالة 109 ملفات للقضاء تتعلق “بجرائم مالية واقتصادية وأخرى ذات صبغة إرهابية في حق القضاة المعفيين، وأذنت بإحالة عدد مهم منها على الأقطاب القضائية المختصة في الجرائم الإرهابية والفساد المالي”.

وأضاف البيان “تم فتح أبحاث تحقيقية في الغرض من أجل عدة جرائم كالفساد المالي والرشوة وغسيل الأموال والجرائم الاقتصادية والديوانية، بالإضافة إلى جرائم ذات صبغة إرهابية كالتستر على تنظيم إرهابي وتعطيل الإجراءات والانحراف بها”.

وتأتي هذه الاتهامات المتأخرة تهرباً من تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية وتعطيلها.

واتهم منسق هيئة الدفاع عن القضاة المعفيين، كمال بن مسعود، وزيرة العدل ليلى جفال، في تصريح إعلامي بـ”إثارة المغالطات لتبرير عدم تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية التي قضت بايقاف تنفيذ عدد كبير من قرارات إعفاء قضاة”.

وكان مصدر مسؤول من المحكمة الإدارية أكد المضي في مسار تنفيذ للأحكام، مضيفاً “بعد أن تصدر أحكام قضائية لا يجب أن يتم خلق أسباب جديدة لعدم التنفيذ”، و”بمجرد إعلام الأطراف المعنية، يعلّق فوراً تنفيذ قرار الإعفاء، بمعنى رجوع الوضعية إلى ما كانت عليه قبل صدور القرارات”، موضّحاً أن “عدم التنفيذ يعني أننا دخلنا دولة اللاقانون” فلا معنى لـ”حكم لا ينفذ”.

وقالت جمعيّة القضاة التونسيين، الإثنين، إنّ الاتحاد الدولي للقضاة أصدر بيان تضامن حول وضع السلطة القضائية في تونس، وخاصة افتعال التتبعات الجزائية ضد رئيس جمعية القضاة التونسيين، أنس الحمادي، على خلفية نشاطه النقابي، وحول افتعال ملفات وتتبعات جزائية من السلطة التنفيذية ضد القضاة المحكوم لفائدتهم بتوقيف التنفيذ وعدم تطبيق الأحكام القضائية للمحكمة الإدارية.

وقال القاضي حمادي الرحماني، إن هذه المرحلة من الصراع “ليست جديدة وهي استمرار لما حصل سابقاً من قبل السلطة السياسية والتي بدأت تخوضها منذ فترة لإخضاع القضاء والتحكم فيه وتوظيفه لأهدافها السياسية”.

وأضاف الرحماني أنه “منذ 25 يوليو/ تموز يسعى رئيس الجمهورية بكل الأدوات لجعل القضاء تحت هيمنته، وهذا سمح له بحل المجلس الأعلى للقضاء وبعزل قضاة وعدم الإذعان للأحكام القضائية، رغم إشارته سابقاً بإمكانية لجوء القضاة إلى المحكمة الإدارية”.

وأوضح الرحماني أن “هناك تسريبات ومؤشرات تشير إلى أن الرئيس سعيّد مقر بالخطأ في هذا الملف، وبوجود عدة أخطاء ومغالطات في قائمة القضاة المعزولين، بدليل أنه صامت بشأن هذا الملف تقريباً منذ شهرين، رغم إضرابات الجوع ورغم اضطرابات المحاكم”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق