إطلاق قائمة 30 العار المتورطة بدعم الانقلاب في تونس

أطلق نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي “قائمة 30 العار” المتورطة بدعم الانقلاب في تونس وتكريس الاستبداد وتجميد عمل المؤسسات المنتخبة.
وضمت قائمة العار رئيس الجمهورية قيس سعيد ومعاونيه من الأمنيين والعسكريين ووزرائه في حكومة تكريس الانقلاب، ومعاونيه من الإعلاميين والسياسيين والقانونيين، إلى جانب عائلة رئيس الجمهورية ومستشاريه.
يأتي ذلك فيما بلغت خطابات الشعبوية لدى سعيد ذروة الشعبوية الزائفة والخداع المتعمد مع تصاعد الأزمة الاقتصادية والسياسية ذروتها منذ انقلاب 25 تموز/يوليو وتزايد الضغوط الداخلية والخارجية عليه مع ضغط الحاجيات الأساسية لميزانية الدولة التكميلية وميزانية السنة القادمة.
وقد لجأ سعيد كعادته للخطابات الكلامية للهروب من الأزمة واقترح ما أسماه التقشف وخوض حرب تحرير وطني دون أن يضع برنامجا واضحا.
وتساءل مراقبون عن حقيقة التقشف المزعوم بموكب رئاسي ثمن السيّارات فيه 25 مليار دون اعتبار أجر من يركبها ويسوقها وبنزينها وتأمينها وبأجرك الشهري الذي يناهز 30 مليون ونفقات قصرك تناهز 100 مليار دون الحديث عن امتيازات حاشية رئيس الجمهورية وبطانته.
ويظهر سعيد ازدواجية غريبة حيث يظهر نفسه كأنه ملك بزيادة ميزانية الرئاسة وتخصيص مواكب فخمة لتحركاته مثل موكب بنزرت الذي ظهر على هامش زيارته الفلكلورية بمناسبة عيد الجلاء.
ولا يزال قيس سعيّد يتمسك بخطاب رفض التدخل الخارجي في شؤون البلاد، وإدانة ما يقول إنها محاولات للاستقواء بالخارج، رداً على الدعوات الدولية المتصاعدة لعودة الديمقراطية وعمل المؤسسات في تونس بشكل كامل، والتنديد بتجميع كل السلطات في يد الرئيس.
وكان آخر ذلك القرار الذي تبنّاه البرلمان الأوروبي أمس الأول الخميس في هذا الخصوص، وهو ما يثير مخاوف من أن يؤدي إلى عزل البلاد التي تمر بوضع صعب، وظروف اقتصادية خانقة.
ومقابل الدعوات لوضع خريطة واضحة لعودة عمل المؤسسات، وبحث حلول تشاركية في ظل حوار موسع يشمل الجميع، يتمسك سعيّد بعدم التحاور مع أحد، عدا مشروع الحوار مع الشباب الذي أعلن عنه ولم يتوضح إلى حد الآن، واضعاً البلاد في مرحلة خطرة اقتصادياً، خصوصاً أمام تصاعد ضغوط المانحين والشركاء، الداعين إلى عودة المؤسسات الديمقراطية في أقرب وقت وإطلاق الحوار الوطني مع جميع الفرقاء، والذين يربطون بوضوح بين تواصل التعاون الاقتصادي وتنفيذ إجراءات عملية لعودة الديمقراطية.
وجدد سعيّد القول أمس إن الأسباب التي دفعته لإعلان التدابير الاستثنائية، التي جمّد بموجبها عمل البرلمان وأقال حكومة هشام المشيشي ثم أعطى صلاحيات تنفيذية لنفسه، “هي إنقاذ الدولة من الانهيار وتحقيق إرادة الشعب”.
سعيد وخلال استقباله أمس وزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح، بيّن أن “تونس تعوّل بالأساس، على قدراتها الوطنية لمواجهة التحديات المختلفة التي تواجهها، كما تتطلّع أيضاً إلى الدعم الاقتصادي والمالي للأشقاء والأصدقاء ومن بينهم دولة الكويت من أجل تجاوز هذا الظرف الدقيق”.
وجاء ذلك بعدما كان سعيّد، قد قال مساء الخميس في اجتماع لمجلس الوزراء في قصر قرطاج، إنه سيتم إطلاق “حوار وطني” يشارك فيه الشباب “في كامل التراب التونسي ومختلف تماماً عن التجارب السابقة”، ويتطرّق إلى مواضيع من بينها “النظامان السياسي والانتخابي” في البلاد.
وأوضح سعيّد وفق بيان للرئاسة التونسية، أن الحوار “سيتم في إطار سقف زمني متفق عليه، وضمن آليات وصيغ وتصورات جديدة تُفضي إلى بلورة مقترحات تأليفية في إطار مؤتمر وطني”.
وشدد على أن الحوار “لن يشمل كل من استولى على أموال الشعب أو من باع ذمّته إلى الخارج”. وذكّر أنه “بقدر حرص تونس على مواصلة تعزيز علاقات التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة، بقدر تمسّكها بسيادتها الوطنية وباحترام اختيارات الشعب التونسي”، مجدداً “رفض كل محاولات الاستقواء بالخارج للتدخل في الشؤون الداخلية لتونس أو الإساءة إليها”.
وأكد سعيّد أن “تونس ليست بضاعة أو حقلاً أو رقماً حتى تُوضع على جدول الأعمال في الخارج”، مضيفاً أن “تونس لا تريد التعاون والتعاطف دون احترام، بل تريد الاحترام من الخارج حتى وإن كان دون تعاطف”.
واتهم سعيّد أطرافاً بأنها ” تلوذ بالخارج لتجد مكانا فقدته للأبد في الداخل”. وخاطب الدول الأوروبية وغيرها بالقول “لو كانوا يريدون إعانتنا بالفعل فليعيدوا إلينا أموالنا المنهوبة”.
وجاء كلام سعيّد هذا بعد تبنّي البرلمان الأوروبي، أمس الأول الخميس، قراراً يدعو إلى “عودة الديمقراطية في تونس بشكل كامل، واستئناف عمل البرلمان في أسرع وقت ممكن”. وتم تبني القرار بأغلبية 534 صوتاً من أصل 685 صوتاً.
وجاء في القرار: “يجب حماية الدستور والإطار التشريعي في تونس واستعادة الاستقرار المؤسسي في أقرب وقت ممكن واحترام الحقوق والحريات الأساسية”.
ودعا إلى “عودة مؤسسات الدولة التونسية إلى العمل بشكل طبيعي والإعلان عن خريطة طريق واضحة لاستئناف عمل تلك المؤسسات”.
وأعرب أعضاء البرلمان عن “قلقهم العميق إزاء تركز السلطات بشكل كبير في يد الرئيس التونسي قيس سعيّد”، وفق البيان.
كما حث أعضاء البرلمان السلطات التونسية على عقد “حوار وطني شامل بشكل فعال، والذي يجب أن يشمل المجتمع المدني”.
وشدد على ضرورة “استعادة نظام قضائي مستقل في البلاد، من شأنه أن يؤدي إلى إصلاح المحاكم العسكرية في تونس ووضع حد للمحاكمات العسكرية للمدنيين”.
بالتوازي مع ذلك، تتصاعد الانتقادات الداخلية لسعيّد. ودعت حركة “النهضة” لـ”ضرورة وضع حد للحالة الاستثنائية التي كرست الانفراد بالسلطات ورفضت مبدأ التشاركية في إيجاد حلول للأزمة السياسية الراهنة”، مطالبة بـ”العودة إلى الشرعية الدستورية، وضرورة استئناف النشاط البرلماني من أجل توفير الشروط القانونية للحكومة مثل المصادقة على ميزانية الدولة وقانون المالية طبقا لمقتضيات القانون والدستور”.
واستنكرت الحركة في بيان صدر عن مكتبها التنفيذي مساء الخميس، “التعتيم الإعلامي حول الوضع الاقتصادي والمالي وغياب المعطيات حول مشروع ميزانية 2022”.
ونبهت من “خطورة خطابات التخوين والتشويه التي طاولت العديد من الشخصيات ورموز الانتقال الديمقراطي”.
واعتبرت أن “الإجراءات الاستثنائية وما تلاها من قرارات غير دستورية أضرّت بمكاسب تونس وبسمعتها التي حققتها بعد الثورة، وأدت إلى عزلة السلطة التونسية بعد 25 يوليو داخلياً ودولياً”.
من جهته، أكد القيادي في “التيار الديمقراطي”، هشام العجبوني، أن “موقف سعيّد يتكرر تقريباً وكأنه لم يفهم أن السيادة الوطنية عندما تكون منقوصة وأن يحتاج البلد إلى قروض من الخارج لتمويل الموازنة ونستورد الحبوب للغذاء فإنه لا يمكن الحديث عن سيادة حقيقية”، مبيناً أنه عندما “يكون الاتحاد الأوروبي شريكاً فاعلاً ويساعدك في القروض ويضخ لك أموالاً، فطبيعي أن يهتم بما يجري في تونس، خصوصاً أن هناك اتفاقية بين تونس والاتحاد الأوروبي ومن بين بنودها احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبالتالي هناك التزام من الدولة التونسية تجاه الاتحاد”.
وأمام تأكيد وزير الخارجية التونسية عثمان الجرندي، لمساعدة وزير الخارجية الأميركية يائيل لمبارت، أن سعيّد سيعلن عن خطوات تطمئن شركاء تونس، يبقى السؤال الحقيقي عن مدى استعداد سعيّد للتضحية بمشروعه للنظام السياسي وبحث مشترك مع ساحة سياسية وحقوقية لا تقاسمه الخيارات وتخشى أن يقود البلد إلى عزلة.
وفي تحليله للوضع الحالي، اعتبر المحلل السياسي ماجد البرهومي، أن الأمر مرتبط بفرضية “أن يقوم سعيّد بتحديد خريطة طريق واضحة وبمواعيد محددة وبسقف زمني واضح في أسرع وقت، وفي هذه الحالة فإن الوضع يمكن أن يسير نحو انفراج داخلي وخارجي، ولكن إن تمسك بالإبقاء على الوضع الاستثنائي إلى ما لا نهاية فإن الأمور ستسير من سيئ إلى أسوأ”.
ولفت إلى أن “الكرة الآن في ملعب رئيس الجمهورية، وإذا ما سيتمكن من حسن إدارة المرحلة اقتصادياً ومالياً وسياسياً وأمنياً”، مشدداً على أنه ليس “من صالح تونس ولا سعيّد هذا البطء والتلكؤ في الخروج من الوضع الاستثنائي”.
وبخصوص الضغط الدولي المتنامي، لفت البرهومي إلى أن “هناك انقساماً واضحاً في تونس بين من يعتبر أن ما حصل في البلاد انقلاب واستنجد بالجهات الأجنبية واستقوى بها، وبين الطرف المقابل الذي يعتبر أن ما حدث هو تصحيح مسار، وما زال يستهزأ بهذه الأطراف الخارجية ولا يعرف حجمها ووزنها”.
وأضاف “أن سعيّد غير شاعر بخطورة هذه الدول”، مؤكداً أنه “من الأولى فتح قنوات حوار معها ومع وسائل الإعلام، ليس خوفا من الولايات المتحدة، ولكن لأنها الطرف الأقوى في العالم”.
وبيّن أن السبب الثاني هو “أن الولايات المتحدة هي طرف داعم للاقتصاد التونسي ولا يجب خسارة الحلفاء التقليديين الذين دعموا استقلال البلاد ومختلف المراحل بعده، وبالتالي لا يجب على الطرف الحاكم معاداة الحليف الأميركي”.
ولكن الرهان الحقيقي لسعيّد ولتونس ليس سياسياً فقط، وإنما هو اقتصادي واجتماعي بالدرجة الأولى، وهو الذي سيحدد مصير الموقف الشعبي والقوى الاجتماعية والمدنية والاقتصادية، وبشكل عاجل.